فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن أبي عبلة، وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال.
{والذين يَمْكُرُونَ السيئات لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} انتصاب {السيئات} على أنها صفة لمصدر محذوف: أي: يمكرون المكرات السيئات، وذلك لأن مكر لازم، ويجوز: أن يضمن يمكرون معنى: يكسبون، فتكون السيئات مفعولًا به.
قال مجاهد، وقتادة: هم: أهل الرياء.
وقال أبو العالية: هم الذين مكروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة.
وقال الكلبي: هم الذين يعملون السيئات في الدنيا.
وقال مقاتل: هم: المشركون، ومعنى {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}: لهم عذاب بالغ الغاية في الشدّة {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي: يبطل، ويهلك، ومنه {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12].
والمكر في الأصل: الخديعة، والاحتيال، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم، وجملة: {يَبُورُ} خبر مكر أولئك.
ثم ذكر سبحانه دليلًا آخر على البعث، والنشور، فقال: {والله خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أي: خلقكم ابتداء في ضمن خلق أبيكم آدم من تراب.
وقال قتادة: يعني: آدم، والتقدير على هذا: خلق أباكم الأوّل، وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أخرجها من ظهر آبائكم {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا} أي: زوّج بعضكم ببعض، فالذكر زوج الأنثى، أو جعلكم أصنافًا ذكرانًا وإناثًا {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} أي: لا يكون حمل، ولا وضع إلاّ والله عالم به، فلا يخرج شيء عن علمه وتدبيره {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب} أي: ما يطول عمر أحد، ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب، أي: في اللوح المحفوظ.
قال الفرّاء: يريد آخر غير الأوّل، فكنى عنه بالضمير كأنه الأوّل: لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأوّل كأنه قال: ولا ينقص من عمر معمر، فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأوّل، ومثله قولك: عندي درهم ونصفه، أي: نصف آخر.
قيل: إنما سمي معمرًا باعتبار مصيره إليه.
والمعنى: وما يمدّ في عمر أحد، ولا ينقص من عمر أحد، لكن لا على معنى: لا ينقص من عمره بعد كونه زائدًا، بل على معنى: أنه لا يجعل من الابتداء ناقصًا إلاّ وهو في كتاب.
قال سعيد بن جبير: وما يعمر من معمر إلاّ كتب عمره: كم هو سنة، كم هو شهرًا، كم هو يومًا، كم هو ساعة، ثم يكتب في كتاب آخر نقص من عمره ساعة، نقص من عمره يوم، نقص من عمره شهر، نقص من عمره سنة حتى يستوفي أجله، فما مضى من أجله، فهو: النقصان، وما يستقبل، فهو: الذي يعمره.
وقال قتادة: المعمر من بلغ ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة.
وقيل: المعنى: إن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع، ودونه إن عصى، فأيهما بلغ، فهو في كتاب، والضمير على هذا يرجع إلى معمر.
وقيل: المعنى: وما يعمر من معمر إلى الهرم، ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلاّ في كتاب، أي: بقضاء الله قاله الضحاك، واختاره النحاس.
قال: وهو أشبهها بظاهر التنزيل، والأولى أن يقال: ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره: هما بقضاء الله، وقدره لأسباب تقتضي التطويل، وأسباب تقتضي التقصير.
فمن أسباب التطويل: ما ورد في صلة الرّحم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.
ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عزّ وجلّ، فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلًا سبعين سنة، فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة، وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان، والكلّ في كتاب مبين، فلا تخالف بين هذه الآية، وبين قوله سبحانه: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، ويؤيد هذا قوله سبحانه: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} [الرعد: 39]، وقد قدّمنا في تفسيرها ما يزيد ما ذكرنا هنا وضوحًا وبيانًا.
قرأ الجمهور: {ينقص} مبنيًا للمفعول.
وقرأ يعقوب، وسلام، وروي عن أبي عمرو: {ينقص} مبنيًا للفاعل.
وقرأ الجمهور: {من عمره} بضمّ الميم.
وقرأ الحسن، والأعرج، والزهري بسكونها، والإشارة بقوله: {إِنَّ ذلك} إلى ما سبق من الخلق، وما بعده {عَلَى الله يَسِيرٌ} لا يصعب عليه منه شيء، ولا يعزب عنه كثير، ولا قليل، ولا كبير، ولا صغير.
ثم ذكر سبحانه نوعًا آخر من بديع صنعه، وعجيب قدرته، فقال: {وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} فالمراد ب العذب، والمالح، فالعذب الفرات الحلو، والأجاج المرّ، والمراد ب {سَائِغٌ شَرَابُهُ}: الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته.
وقرأ عيسى بن عمر: {سيغ} بتشديد الياء، وروي تسكينها عنه.
وقرأ طلحة، وأبو نهيك: {ملح} بفتح الميم {وَمِن كُلّ} منهما {تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}، وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} الظاهر أن المعنى: وتستخرجون منهما حلية تلبسونها.
وقال المبرّد: إنما تستخرج الحلية من المالح، وروي عن الزجاج: أنه قال: إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا، لا من كل واحد منهما على انفراده، ورجح النحاس قول المبرّد.
ومعنى {تَلْبَسُونَهَا}: تلبسون كل شيء منها بحسبه، كالخاتم في الأصبع، والسوار في الذراع، والقلادة في العنق، والخلخال في الرجل، ومما يلبس حلية السلاح الذي يحمل كالسيف، والدرع، ونحوهما {وَتَرَى الفلك فِيهِ} أي: في كل واحد من البحرين.
وقال النحاس: الضمير يعود إلى الماء المالح خاصة، ولولا ذلك لقال: فيهما {مَوَاخِرَ} يقال: مخرت السفينة تمخر: إذا شقت الماء.
فالمعنى: وترى السفن في البحرين شواقّ للماء بعضها مقبلة، وبعضها مدبرة بريح واحدة، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة النحل، واللام في {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق: أي: فعل ذلك: لتبتغوا، أو بمواخر.
قال مجاهد: ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدّة قريبة كما تقدّم في البقرة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ما أنعم عليكم به من ذلك.
قال أكثر المفسرين: إن المراد من الآية ضرب المثل في حقّ المؤمن والكافر، والكفر والإيمان، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر، ولا الكفر والإيمان.
{يُولِجُ اليل في النهار وَيُولِجُ النهار في اليل} أي: يضيف بعض أجزائهما إلى بعض، فيزيد في أحدهما، بالنقص في الآخر، وقد تقدّم تفسيره في آل عمران، وفي مواضع من الكتاب العزيز {وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى} قدّره الله لجريانهما، وهو: يوم القيامة.
وقيل: هو المدّة التي يقطعان في مثلها الفلك، وهو سنة للشمس، وشهر للقمر.
وقيل: المراد به جري الشمس في اليوم، والقمر في الليلة.
وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة لقمان، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى الفاعل لهذه الأفعال، وهو: الله سبحانه، واسم الإشارة مبتدأ، وخبره: {الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} أي: هذا الذي من صنعته ما تقدّم: هو: الخالق المقدّر، والقادر المقتدر المالك للعالم، والمتصرّف فيه، ويجوز: أن يكون قوله: {له الملك} جملة مستقلة في مقابلة قوله: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} أي: لا يقدرون عليه، ولا على خلقه، والقطمير: القشرة الرّقيقة التي تكون بين التمرة والنواة، وتصير على النواة كاللفافة لها.
وقال المبرّد: هو: شقّ النواة.
وقال قتادة: هو: القمع الذي على رأس النواة.
قال الجوهري: ويقال: هي: النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة.
ثم بيّن سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله بأنم لا ينفعون ولا يضرّون، فقال: {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ} أي: إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم، لكونها جمادات لا تدرك شيئًا من المدركات {وَلَوْ سَمِعُواْ} على طريقة الفرض، والتقدير {مَا استجابوا لَكُمْ} لعجزهم عن ذلك.
قال قتادة: المعنى ولو سمعوا لم ينفعوكم.
وقيل المعنى: لو جعلنا لهم سماعًا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم، ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الكفر {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي: يتبرّءون من عبادتكم لهم، ويقولون {مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [يونس: 28] ويجوز: أن يرجع: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ} [الأعراف: 197] وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار، وهم: الملائكة، والجنّ، والشياطين.
والمعنى: أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقًا، وينكرون: أنهم أمروكم بعبادتهم {وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي: لا يخبرك مثل من هو خبير بالأشياء عالم بها، وهو: الله سبحانه، فإنه لا أحد أخبر بخلقه، وأقوالهم، وأفعالهم منه سبحانه، وهو الخبير بكنه الأمور، وحقائقها.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلاّ من شاء الله إلاّ مات، ثم يرسل الله من تحت العرش منيًا كمني الرجال، فتنبت أجسامهم ولحومهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ عبد الله {الله الذي أَرْسَلَ الرياح} الآية.
وأخرج أبو داود، والطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: «أما مررت بأرض مجدبة، ثم مررت بها مخصبة تهتزّ خضراء؟ قلت: بلى، قال: كذلك يحيي الله الموتى، وكذلك النشور».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال: إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله، وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، وتبارك الله، قبض عليهنّ ملك يضمهنّ تحت جناحه، ثم يصعد بهنّ إلى السماء، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفر لقائلهنّ حتى يجيء بهنّ وجه الرحمن، ثم قرأ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} قال: أداء الفرائض، فمن ذكر الله في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله، فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤدّ فرائضه ردّ كلامه على عمله، وكان عمله أولى به.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} الآية قال: يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد عليه، وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر، والحياة ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله: {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب} يقول: كل ذلك في كتاب عنده.
وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول: أيّ ربّ أشقي أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص».
وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال: قالت أمّ حبيبة: اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا، ولو كنت سألت الله: أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيرًا وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} قال: القطمير القشر، وفي لفظ: الجلد الذي يكون على ظهر النواة. اهـ.

.قال القاسمي:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: مبتدئها ومبدعها من غير سبق مثل ومادة: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} أي: ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد، حسب تفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها، ويعرجون، أو يسرعون بها. وفي الصحيح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة أسري به، وله ستمائة جناح. ولهذا قال سبحانه: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} أي: يزيد في خلق الأجنحة وغيره ما يشاء، مما تقتضيه حكمته: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} أي: نعمة سماوية كانت أو أرضية: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} أي: لا أحد يقدر على إمساكها: {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد إمساكه: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل ما يشاء: {الْحَكِيمُ} أي: في أمره وصنعه.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: لتستدلوا بها على وحدته في ألوهيته؛ لأنه المنفرد بإرسالها وحده، ولا يصح لمن انفرد بالإنعام أن يشرك معه غيره؛ لأنه كفران له موجب لغضبه. وهذا ما أشار له بقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} أي: المطر والنبات: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: تصرفون عن التوحيد الواجب- لأنه مقتضى شكر النعم- إلى الشرك والكفر.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فيجازي المكذب وشيعته بالخزي وظهور الحق عليه.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: ما وعد به من جزائه بالثواب إن صدقتم في الاتباع، وبالعقاب، إن عصيتم: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: بأن يذهلكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها، عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله: {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي: الشيطان، وقرئ بالضم.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي: باتباع الهوى والركون إلى الدنيا.
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} أي: مثل إحياء الموات، إحياء الأموات، وكثيرًا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها، ليعتبر المرتاب في هذا، فإنه من أظهر الآيات وأوضحها.
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} أي: الشرف والرفعة: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} أي: فليطلبها من عنده، باتباع شريعته، وموالاة أنبيائه ورسله، والتأسي بهم في الصلاح والإصلاح، والصبر والثبات، واطّراح كل ملامة رغبة في الحق وعملًا بالصدق. وهذا كآية: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]. وكآية: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وهو الداعي إلى الحق والإصلاح، والمنبه على سبل الضلال والفساد: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي: يرفع الكلمُ العملَ الصالح، على أن يكون المستكن للكلم، إشارة إلى أن العمل لا يقبل إلا بالكلم المؤثر في إبلاغ دعوة الخير. والضمير المستتر للعمل، والبارز للكلم؛ أي: يكون العمل الصالح موجبًا لرفعها وقبولها لأنه يحققها ويصدقها، كما قال تعالى عن شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: الأعمال السيئة المفسدة لصلاح الأمة وقيام عمرانها: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي: يضمحل؛ لأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.